~مع كل ثائر لأحبَّ أوطاني حباً لا يقف عند الحدود~
أن تتمازجَ بها فتحويك، أو تُقصيها عنكَ فتُرديك، وهذا ما عرفته، فمع صحوةِ قضّت مضاجع النيام، وتهاليل تبّشر بما كان هناك، من صمتٍ خنعَ للإنصات، وليلٍ أفلَ للإشراق.. ليستأثرَ بظلامه فيصيره سراباً.. كان أم لم يكن لا يهم، فقد توارى خلفَ الهتاف واستسلمَ للجموع الراغبة والشعوب الغاضبة، فأُجبر على انتحال ذاتِ النور، واحتدم مع بقاياه ليَخلعها عن كاهله، ويُلبسها رداءَه الآخر الذي يعتليه قبسٌ من فلسفةٍ عتيدة وكلماتٍ سديدة.. فيها ملخصات الرؤية المنشودة والطقوس الموعودة..
فعلى ترانيم البقاء عُزفت مقطوعة الحنين، لرحيلِ وجعٍ دفين وحلمٍ أسير، تحكمه أسياطُ الاستبدادية الرثة، وتعلوه براثن الطغيان، ودهاليز الهذيان، فيهوي ويهوي إلى الانحدار بعيداً عن الأحرار، وسعي الأخيار، لفكّ القيود في الكيان الهَمود.. ذلكَ الذي أضرِمت فيه النيران وتشربّت بالإمعان في حقيقةٍ تتألق وأمنياتٍ تتوثق بالانبثاق من العدم، وعبوس الندم، في لحظةٍ عصفَ بها الوجدان بعبقِ الأركان.. ليبّث فيه إشراقه، ويفني فيه إخفاقه، فينطلق في الآفاق ليصنع الأمجاد، وتتنامى الألحان في وترٍ رنان يصدح ببدء العنوان..
وتبدأ المقطوعة في أرضٍ خضراء آثرت البقاء فأحجمت عن الصمت ليعلوها الصوت، فتشمخ بالانتصار ودموع الانهمار على شهدائها الأحرار، وتتوالى الشهقات لتستنهض الأفراد وتسمو المقطوعة بالانبعاث لشعبٍ محب لأرضٍ معطاء وأمٍ عصماء تشمخ بالانتصار ونبذ الانكسار، وبعدها يصوغ التاريخ أبجديةً فريدة تختصر المضمون وتُذهل العقول لتخطّ أحرف من ضياء لإرادةٍ شماء وحكمةٍ غراء تصل وتتأصل في أوجهٍ ترغب وثورةٍ تثقب صمم الآذان ولغة العميان..
ففي الحبّ لا وجود للانتصاف، وفي الثورة لا مكان للالتفاف، فإما أن تثور بإرادةٍ تمزجها بكَ فتدنيك من شرفِ الانتصار، وإما أن تكون في الدون وتقصيها عنك فتُرديك في عار الانهيار، فجوهر التغيير ثابت والباقي تفاصيل..
دمتم بخير..