خديجة بنت خويلد رضي الله عنها
من النساء الصالحات القانتات زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم الأولى ، وأول من آمن به وصدقه ، واتبعه ، إنها خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشية الأسدية ، وأمها فاطمة بنت زائدة ، قرشية من بني عامر بن لؤي ، ولدت بمكة ، ونشأت في بيت شرف ويسار ، كانت تدعى قبل الإسلام بالطاهرة العفيفة ، مات أبوها يوم الفِجار .
تزوجت مرتين قبل رسول الله ، أبا هالة بن زرارة بن النباش التميمي ، ثم عتيق بن عائذ بن عمر بن مخزوم ، ولها منهما ثلاثة من الولد ، هند بنت عتيق ، وهند وهالة ابنا أبي هالة .
كانت ذات مال كثير وتجارة ، تستأجر الرجال وتدفع إليهم ما آتاها الله من مال ليتاجروا لها فيه .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم واحداً من الذين تعاملوا معها، فسافر إلى الشام ومعه غلامها ميسرة ، ,وسمعت عن أمانته وخلقه وبركته الكثير ، وتضاعف ربح تجارتها ، مما دفعها لطلب الزواج منه ، فخطبها حمزة بن عبدالمطلب لابن أخيه من عمها عمرو بن أسد بن عبدالعزى ، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بعثته بخمس عشرة سنة ، وكان عمره حينئذٍ 25 سنة ، وكان عمرها 40سنة ، وقيل 28سنة ، فولدت له : القاسم و عبد الله و زينب و رقية و أم كلثوم و فاطمة ، وكان بين كل ولدين سنة ، وكانت قابلتها سلمى ، والقابلة هي التي تقوم بتوليد المرأة وخدمتها عند الولادة .
وهي-رضي الله عنها- ممن كمُل من النساء . فكانت عاقلة جليلة ديَّنة مصونة كريمة ، من أهل الجنة ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُثني عليها ، ويُفضلها على سائر أمهات المؤمنين ويُبالغ في تعظيمها ، حتى إن عائشة رضي الله عنها كانت تقول : ما غِرت من امرأة ما غِرت من خديجة ، من كثرة ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لها .
ومن كرامتها عليه صلى الله عليه وسلم أنه لم يتزوج امرأة قبلها ، ورزقه الله منها عدة أولاد ، ولم يتزوج عليها قط ولا تسرَّى بجارية إلى أن قضت نحبها ، فحزن لفقدها حزناً شديداً ، فإنها كانت نعم القَرين والأنيس ، وكانت له نعم المعين والنصير.
أما مواقفها فعظيمة مشهودة تدل على رجاحة عقلها ، وقوة شخصيتها ، فها هي تقف إلى جانب زوجها عندما جاء إلى البيت خائفاً - وقد بدأ الوحي ينزل عليه - وهو يقول : ( لقد خَشِيتُ على نفسي، فقالت له : كلا ، والله لا يخزيك الله أبداً ) متفق عليه ، وذكرت خصاله الحميدة ، ثم ذهبت به إلى ورقة بن نوفل .
وكانت رضي الله عنها أول من آمن برسول الله وصدقه وآزره في دعوته ، فكان لها فضل السبق في ذلك على الرجال والنساء ، مما خفف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وفي "الصحيحين" ، عن عائشة ، ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب ) .
وبيَّن النبيُّ صلى الله عليه وسلم فضلها بأنها خير نساء الأرض في عصرها ، حيث قال : ( خير نسائها مريم بنت عمران وخير نسائها خديجة بنت خويلد ) متفق عليه .
قال النووي رحمه الله : كل واحدة منهما خير نساء الأرض في عصرها ، وأما التفضيل بينهما فمسكوت عنه .
وفي مسند الإمام أحمد ( أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون ، ومريم ابنة عمران رضي الله عنهن أجمعين ) وصححه الألباني والأرنؤوط .
توفيت خديجة رضي الله عنها قبل الهجرة بثلاث سنين ، وقبل معراج النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي بنت خمس وستين سنة ، ودفنت بالحجُون .
ويستفاد من سيرة خديجة رضي الله عنها أمور نجملها في النقاط التالية :
1-رغبة خديجة في الزواج من رسول الله صلى الله عليه وسلم دليل على ما كان يتمتع به صلى الله عليه وسلم من خلق عظيم ، وصلاح كبير ، وأمانة فائقة .
2-أنه لا غضاضة في أن تبدي المرأة رغبتها في الزواج من صاحب الدين والخلق .
3-لم يكن هدف رسول الله من الزواج المتعة الجسدية ومكملاتها ، وإلا لحرص على البكر ، ومن كانت أصغر منه ، أو على الأقل من كانت في سنّه.
4-أن الله عز وجل يرزق الرجل الصالح الطيب المرأة الصالحة الطيبة ، كما قال سبحانه : { وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّأُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } (النور:26).
5-إنّ الإسلام يجيز للمرأة التملك ، واستثمار الأموال والمضاربة بها وفق الضوابط الشرعية .
وهكذا - عزيزي القارئ- كانت أم المؤمنين الأولى ، مؤمنة ، صالحة ، مجاهدة ، تحملت الأعباء والمحن ، ورحلت من الدنيا بعدما تركت دروساً وعبراً لا تنسى على مرور الأيام والشهور ، والأعوام والدهور ، فرضي الله عنها، والحمد لله رب العالمين
سودة بنت زمعة رضي الله عنها
هي سودة بنت زمعة بن قيس القرشية العامرية . أمها الشموس بنت قيس بن زيد الأنصارية ، من بني عدي بن النجار .
كانت رضي الله عنها سيدة ً جليلة نبيلة ، وتزوجت بداية من السكران بن عمرو ، أخى سهيل بن عمرو العامري ، وهاجرت مع زوجها إلى الحبشة فراراً بدينها، ولها منه خمسة أولاد .
وبعد وفاة زوجها خشي رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها من بطش قومها، فأراد مواساتها ، فتزوجها في شوال سنة عشر من البعثة النبوية ..
وهي أول من تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بعد خديجة ، ولم يتزوج معها صلى الله عليه وسلم نحواً من ثلاث سنين أو أكثر ، حتى دخل بعائشة رضي الله عنها .
وهي التي وهبت يومها لعائشة ، رعاية لقلب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ففي صحيح البخاري ( أن سودة بنت زمعة وهبت يومها وليلتها لعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تبتغي بذلك رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم ) .
وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : ما رأيت امرأة أحب إلي أن أكون في مسلاخها -أي جلدها- من سودة بنت زمعة من امرأة فيها حدة ، -ومعناه تَمنَّت أن تكونَ في مثل هدْيها وطريقتها ، ولم ترد عائشة عيب سودة بذلك بل وصفتها بقوة النفس وجودة القريحة وهي الحدة -قالت : فلما كبرت جعلت يومها من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة ، قالت يا رسول الله: قد جعلت يومي منك لعائشة ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومين يومها ويوم سودة .
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: خشِيت سودة أن يطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يارسول الله، لا تطلقني وأمسكني واجعل يومي لعائشة ، ففعل، ونزلت هذه الآية : { وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ } (النساء:128) . قال ابن عباس : فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز . رواه البيهقي في "سننه" .
صفية حيى بن اخطيب
--------------------------------------------------------------------------------
هي أم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب بن سعية ، من بني النضير ، من سبط لاوي بن نبي الله إسرائيل بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام ، ثم من ولد هارون بن عمران ، أخي موسى عليه السلام .
كانت مع أبيها وابن عمها بالمدينة ، فلما أجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير ساروا إلى خيبر ، وقُتل أبوها مع من قُتل مِن بني قريظة .
تزوجها قبل إسلامها سلام بن أبي الحقيق ، ثم خلف عليها كنانة بن أبي الحقيق ، وكانا من شعراء اليهود ، فقتل كنانة يوم خيبر ، وأُخذت هي مع الأسرى ، فاصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه ، فأعتقها وتزوجها، وجعل عتقها صداقها، وكانت ماشطتها أم سليم التي مشطتها ، وعطرتها ، وزفتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
ففي الصحيح عن أنس قال : ( قدم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر ، فلما فتح الله عليه الحصن ذكر له جمال صفية بنت حيي بن أخطب وقد قتل زوجها وكانت عروسا، فاصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه ، فخرج بها حتى بلغنا سد الروحاء حلت فبنى بها ، ثم صنع حيساً- الأَقِطُ يخـلط بالتمر والسمن- في نِطع- وعاء من جلد- صغير ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: آذن من حولك ، فكانت تلك وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم على صفية ، ثم خرجنا إلى المدينة . قال: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُحوِّي لها وراءه بعباءة ثم يجلس عند بعيره ، فيضع ركبته ، فتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب ) رواه البخاري .
ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بخدها لطمة فقال: ما هذه ؟ فقالت : إني رأيت كأن القمر أقبل من يثرب، فسقط في حجري ، فقصصت المنام على ابن عمي بن أبي حقيق فلطمني ، وقال : تتمنين أن يتزوجك ملك يثرب ، فهذه من لطمته .
وكان هدف رسول الله صلى الله عليه وسلم من زواجها إعزازها وإكرامها ورفع مكانتها ، إلى جانب تعويضها خيراً ممن فقدت من أهلها وقومها ، إضافة إلى إيجاد رابطة المصاهرة بينه وبين اليهود لعله يخفف عداءهم ، ويمهد لقبولهم دعوة الحق التي جاء بها .
وأدركت صفية رضي الله عنها ذلك الهدف العظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ووجدت الدلائل والقرائن عليه في بيت النبوة ، فأحست بالفرق العظيم بين الجاهلية اليهودية ونور الإسلام ، وذاقت حلاوة الإيمان ، وتأثرت بخلق سيد الأنام ، حتى نافس حبه حب أبيها وذويها والناس أجمعين ، وعند مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم تأثرت رضي الله عنها لمرضه ، وتمنت أن لو كانت هي مكانه ، فقد جاء في كتاب الإصابة، عن زيد بن أسلم قال: "اجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي توفى فيه، واجتمع إليه نساؤه، فقالت صفية بنت حيي: إني والله يا نبي الله لوددتُ أنّ الذي بك بي ، فتغامزت زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال صلى الله عليه وسلم : والله إنها لصادقة " .
كانت رضي الله عنها امرأة شريفة ، عاقلة ، ذات حسب ، وجمال، ودين ، وحلم ووقار رضي الله عنها ، ومن مواقفها الدالة على حلمها وعقلها، ما ذكرته كُتب السير من أن جارية لها أتت عمر بن الخطاب فقالت : إن صفية تحب السبت ، وتصل اليهود ، فبعث عمر يسألها فقالت : أما السبت فلم أحبه منذ أبدلني الله به الجمعة، وأما اليهود فإن لي فيهم رحماً فأنا أصلها، ثم قالت للجارية: ماحملكِ على ما صنعت ؟ قالت : الشيطان قالت : اذهبي فأنت حرة .
عايشت رضي الله عنها عهد الخلفاء الراشدين، حتى أدركت زمن معاوية، حيث كانت وفاتها سنة خمسين للهجرة ، ودفنت بالبقيع .
فرضي الله عنها ، والحمد لله رب العالمين .
رملة بنت ابي سفيان
هي أم المؤمنين ، رملة بنت أبي سفيان، صخر بن حرب بن أمية القرشية ، أمّها صفية بنت أبي العاص بن أمية ، وأخواها معاوية وعتبة ، ولدت قبل الإسلام، وكانت تكنى أم حبيبة ، نسبة إلى ابنتها من زوجها الأول ، وقد أسلمت مع أوائل من أسلم في مكة.
تزوجت عبيد الله بن جحش الأسدي، وهاجرت معه إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية ، ولما ارتدَّ عن الإسلام ، أعرضت عنه وهجرته إلى أن مات . فأرسل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري ليخطبها له ، وعهد للنجاشي بعقد نكاحه عليها ، ووكلت هي خالد بن سعيد بن العاص ، فأصدقها صاحب الحبشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة دينار، وجهزها بأشياء ، وبعث بها مع شرحبيل بن حسنة ، وكان ذلك سنة 7هـ ، وكان عمرها 36سنة ، ودخل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة قبل إسلام أبيها ، وعندما جاء أبوها زائراً لها رفضت أن تجلسه على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالت : أنت مشرك.
وكانت من بنات عم الرسول صلى الله عليه وسلم ، فليس من أزواجه من هي أقرب نسباً إليه منها ، ولا في نسائه من هي أكثر صداقاً منها ، ولا من تزوج بها وهي نائية الديار أبعد منها.
زارت أخاها معاوية في دمشق ، وقد كان لها - رضي الله عنها- حرمة وجلالة ، ولاسيما في دولة أخيها ، ولمكانه منها قيل له : خال المؤمنين.
كانت رضي الله عنها من فصيحات قريش ، ومن ذوات الرأي والحصافة ، وكانت فوق ذلك من الصابرات المجاهدات ، ويظهر جهادها وصبرها من خلال هجرتها إلى الحبشة مع زوجها ، تاركة أهلها وقومها ، ثم صبرها على الإسلام عندما تنصر زوجها ، مما أدى إلى انفصالها عنه ، فصارت وحيدة لا زوج لها ولا أهل ، وفي غربة عن الديار ، لكن الإسلام يصنع العجائب إذا لامس شغاف القلوب ، فثبتت في موطن لا يثبت فيه إلا القليل ، مما رفع قدرها ، وأعلى منزلتها في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأراد مواساتها بزواجه منها .
روت رضي الله عنها عدداً من الأحاديث النبوية ، منها ما جاء في "الصحيحين" : أنه لما جاء نعي أبي سفيان من الشام دعت أم حبيبة رضي الله عنها بصفرة في اليوم الثالث ، فمسحت عارضيها وذراعيها ، وقالت إني كنت عن هذا لغنية لولا أني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج ، فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا ) .
ماتت رضي الله عنها سنة أربع وأربعين للهجرة ، وقد بلغت من العمر 72سنة .
فرضي الله عنها وأرضاها وجعل الجنة مأواها ، والحمد لله رب العالمين .
جويرة بنت الحارث
--------------------------------------------------------------------------------
هي أم المؤمنين جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار بن حبيب بن جذيمة الخزاعية المصطلقية ، أُسرت لما غزا النبي صلى الله عليه وسلم قومها بني المصطلق سنة خمس أو ست وسباهم ، ووقعت جويرية في سهم ثابت بن قيس .
تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة الخامسة للهجرة ، وهي بنت عشرين سنة بعدما قضى عنها مكاتبتها ، وبسببها فك المسلمون أسراهم من قومها .
ففي الحديث عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : ( لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا بني المصطلق وقعت جويرية بنت الحارث في السهم لثابت بن قيس بن الشماس أو لابن عم له ، وكاتبته على نفسها ، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه في كتابتها، فقالت: يا رسول الله أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار ، وقد أصابني ما لم يخف عليك ، فوقعتُ في السهم لثابت بن قيس بن الشماس أو لابن عم له ، فكاتبته على نفسي ، فجئتك أستعينك على كتابتي ، قال: فهل لك في خير من ذلك ؟ قالت: وما هو يا رسول الله؟ قال: أقضي كتابتك وأتزوجك ، قالت: نعم يا رسول الله ، قال: قد فعلت، وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج جويرية بنت الحارث ، فقال الناس: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأرسلوا ما بأيديهم - أي أعتقوا- ، فأعتق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق ، فما أعلم امرأة أعظم بركة على قومها منها ) رواه الإمام أحمد في مسنده .
وغيَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمها ، فعن ابن عباس قال : ( كان اسم جويرية بنت الحارث برة ، فحول النبي صلى الله عليه وسلم اسمها ، فسماها جويرية ) رواه الإمام أحمد في مسنده .
وكانت رضي الله عنها ذات صبرٍ وعبادة ، فعن ابن عباس رضي الله عنه عن جويرية بنت الحارث : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم مر عليها وهي في مسجد ، ثم مر النبي صلى الله عليه وسلم بها قريباً من نصف النهار ، فقال لها : ما زلتِ على حالكِ ، فقالت: نعم ، قال ألا أعلمكِ كلماتٍ تقولينها : سبحان الله عدد خلقه ، سبحان الله عدد خلقه ، سبحان الله عدد خلقه ، سبحان الله رضا نفسه ، سبحان الله رضا نفسه ، سبحان الله رضا نفسه ، سبحان الله زنة عرشه ، سبحان الله زنة عرشه ، سبحان الله زنة عرشه ، سبحان الله مداد كلماته ، سبحان الله مداد كلماته ، سبحان الله مداد كلماته ) رواه الترمذي ، وصححه الألباني .
توفيت أم المؤمنين جُويرية في المدينة سنة خمسين، وقيل سنة سبع وخمسين للهجرة وعمرها 65سنة .
فرضي الله عنها ، وعن أمهات المؤمنين أجمعين والحمد لله رب العالمين .
زينب بنت جحش
--------------------------------------------------------------------------------
هي أم المؤمنين زينب بنت جحش بن رياب بن يعمر الأسدي ، وأمها أمية بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخوها عبدالله بن جحش أول أمير في الإسلام ، وُلدت سنة 33ق هـ ، وكان اسمها "برَّة"، فسماها النبي صلى الله عليه وسلم زينب ، وكانت تكنى : أم الحكم ، وهي إحدى المهاجرات الأول .
تزوجها زيد بن حارثة مولى النبي صلى الله عليه وسلم ليعلمها كتاب الله وسنة رسوله، ثم زوّجها الله من السماء لنبيه صلى الله عليه وسلم سنة ثلاث من الهجرة ، وأنزل الله فيها قوله : { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً } (الأحزاب:37) ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تبنى زيداً ، ودُعي "زيد بن محمد " ، فلما نزل قوله تعالى : { ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ } (الأحزاب:5) ، تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة زيدٍ بعد أن طلقها زيد ، وأُلغي ما كان معروفاً عند الجاهلية من التبني .
وكانت رضي الله عنها تفخرُ بذلك على أمهات المؤمنين، وتقول كما ثبت في البخاري : زوَّجكنَّ أهاليكن ، وزوجني الله من فوق سبع سماوات ، وسماها النبي صلى الله عليه وسلم بعد الزواج "زينب" ، وأطعم عليها يومئذٍ خبزاً ولحماً .
كانت رضي الله عنها من سادة النساء ، ديناً وورعاً وجوداً ومعروفاً ، ، وكانت من أجملهن خَلْقاً وخُلقاً .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزور زينب ، ويمكث معها ، ويشرب العسل عندها ، فغارت بعض نسائه ، وأردن أن يصرفنه عن ذلك ، فعن عائشة رضي الله عنها : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش ، فيشرب عندها عسلا ، قالت: فتواطيت أنا و حفصة : أنَّ أيَّتـُنا ما دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فلتقل : إني أجد منك ريح مغافير ، أكلت مغافير- صمغٌ حلوٌ يؤكل له رائحه غير طيبة - ، فدخل على إحداهما ، فقالت: ذلك له ، فقال: بل شربت عسلاً عند زينب بنت جحش ، ولن أعود له ، فنزل: { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك}... إلى قوله... {إن تتوبا} لعائشة و حفصة {وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا} لقوله بل شربت عسلاً ) رواه البخاري و مسلم .
ومن مناقبها رضي الله عنها ، أنها أثنت على عائشة أم المؤمنين خيراً ، عندما استشارها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حادث الإفك ، ففي الحديث ( قالت عائشة : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن أمري ما علمت؟ أو ما رأيت؟ فقالت: يا رسول الله أحمي سمعي وبصري والله ما علمت إلا خيراً ، قالت عائشة : وهي التي كانت تساميني - تعاليني وتفاخرني - من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فعصمها الله بالورع ) رواه البخاري و مسلم .
ومن مناقبها أنها كانت ورعة قوامة، كثيرة التصدق وفعل الخير ، وكانت من صُنَّاع اليد ، فكانت تدبغ ، و تخرز ، وتتصدَّق ، وقد أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على كثرة تصدقها وكنَّى عن ذلك بطول يدها، فعن عائشة أم المؤمنين قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أسرعكن لحاقاً بي أطولكنَّ يداً ، قالت : فكنَّ يتطاولن أيتهنَّ أطول يداً ، قالت : فكانت أطولنا يداً زينب لأنها كانت تعمل بيدها وتصدق ) رواه البخاري و مسلم .
قالت عائشة رضي الله عنها كما في صحيح مسلم وهي تصف زينب : ولم أر امرأة قط خيراً في الدين من زينب ، وأتقى لله ، وأصدق حديثاً ، وأوصل للرحم ، وأعظم صدقة ، وأشد ابتذالاً لنفسها في العمل الذي تصدق به وتقرب به إلى الله تعالى.
وكانت حقاً أول زوجاته صلى الله عليه وسلم لحوقاً به ، حيث توفيت سنة 20 للهجرة ، وصلى عليها عمر بن الخطاب ، وهي أول امرأة صنع لها النعش ، ودُفنت بالبقيع .
فرضي الله عنها وعن أمهات المؤمنين ، والحمد لله رب العالمين .
ام مسلمة المخزومية(هند بنت امية)
هي أم المؤمنين ، أم سلمة هند بنت أبي أمية حذيفة بن المغيرة المخزومية القرشية ، كان أبوها يُسمى : زادُ الراكب ، أحد الأجواد الكرام ، تزوجت من ابن عمِّها عبد الله بن عبد الأسد المخزومي ، وهي بنت عم خالد بن الوليد ، سيف الله رضي الله عنه ، وبنت عم أبي جهل بن هشام .
كانت رضي الله عنها من السابقين إلى الإسلام ، رافقت زوجها في الهجرة الأولى إلى الحبشة فراراً بدينها ، ولما عادا إلى مكة ، وأرادت الهجرة مع زوجها إلى المدينة ، صدها قومها ، وانتزعوها منه هي وابنها سلمة ، فهاجر الزوجُ وحيداً ، ثم انتزع بنو أسد آل سلمة ابنها منها بالقوة حتى خلعوا يده ، وفرقوا بين الولد وأمه ، وهكذا تفرقت الأسرة ، وابتليت بلاءً عظيماً ، فالزوج هاجر إلى المدينة ، والزوجة عند أهلها في مكة ، والولد مع أهل أبيه حُرم حنان أمه وأبيه ، فكانت أم سلمة تخرج كل يوم إلى بطحاء مكة تبكي ، وتتألم لما أصابها ، حتى شفع فيها شافع من قومها فردوا عليها ولدها ، فأخذته وانطلقت به مهاجرة إلى الله ورسوله لاحقة بزوجها في المدينة ، فاجتمع شمل الأسرة بعد شتات .
وفي غزوة أحد أُصيب زوجها بجرح عميق ، وبعد شهور تُوفي رضي الله عنه متأثراً بجرحه ، وهذا ابتلاء آخر يصيب أم سلمة ، إذ يرحل الزوج من الدنيا تاركاً أربعة من الأولاد هم: برة وسلمة، وعمر، ودرة ، فأشفق عليها صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكرالصديق - رضي الله عنه- فخطبها ، إلا أنها لم تقبل ، وصبرت مع أبنائها .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفكر في أمر تلك المرأة الكريمة ، المؤمنة الصادقة ، الوفية الصابرة ، فتقدم لها وتزوجها مكافأة ومواساة لها ، ورعاية لأبنائها .
ففي الحديث قالت رضي الله عنها: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله { إنا لله وإنا إليه راجعون } اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها إلا أخلف الله له خيراً منها ، فلما مات أبو سلمة قلت أي المسلمين خير من أبي سلمة؟ أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم إني قلتها ، فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت: أرسل إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطب بن أبي بلتعة يخطبني له ، فقلت: إن لي بنتاً وأنا غيور-أي تغار من ضرائرها من النساء - ، فقال صلى الله عليه وسلم : أما ابنتها فندعو الله أن يغنيها عنها ، وأدعو الله أن يذهب بالغيرة ) رواه مسلم ، ودخل بها النبي صلى الله عليه وسلم في شوال سنة أربع من الهجرة.
وكانت- رضي الله عنها- من النساء العاقلات الناضجات ، وكانت تُعَدُّ من فُقهاء الصحابيات ، يشهد لهذا ما حدث يوم الحديبية ، بعد كتابة الصلح، حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالتحلل من نسكهم ، وحثهم على النحر ثم الحلق ، فصعب ذلك على الصحابة الكرام ، ولم يفعلوا ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سلمة وهو حزين، فذكر لها ما كان من أمر المسلمين وإعراضهم عن أمره، فقالت- رضي الله عنها-: يا رسول الله أتحب ذلك، اخرج فلا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بدنتك وتدعو حالقك فيحلقك.
فقام وخرج، ولم يكلم أحداً حتى نحر بدنته ودعا حالقه فحلقه. فلما رأى الناس ذلك قاموا فنحروا فجعل بعضهم يحلق بعضاً ، والحديث في البخاري .
وفي شهر ذي القعدة من العام التاسع والخمسين للهجرة أسلمت روحها الطاهرة إلى خالقها ، وكانت قد بلغت من العمر أربعاً وثمانين سنة ، فكانت آخر أمهات المؤمنين موتاً رضي الله عنها ، عُمِّرت حتى بلغها مقتَلُ الحسين ، فوجَمَت لذلك، وحَزِنَت عليه كثيراً ، و غُشيَ عليها ، ولم تلَبث بعدهُ إلا يَسيراً .
فرضي الله عنها ، وعن جميع أمهات المؤمنين ، والحمد لله رب العالمين .
عائشة بنت ابي بكر
نسبها وولادتها :
هي الصديقة بنت الصديق أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر بن قُحافة ، وأمها أم رومان بنت عامر بن عويمر الكِنَانية ، ولدت في الإسلام، بعد البعثة النبوية بأربع أو خمس سنوات ، وكانت امرأة بيضاء جميلة . ومن ثم كان يُقال لها : الحُميراء .
زواجها :
تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة ببضعة عشر شهراً وهي بنت ست سنوات ، ودخل بها في شوّال من السنة الثانية للهجرة وهي بنت تسع سنوات ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت : ( تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم لست سنين ، وبنى بي وأنا بنت تسع سنين ) متفق عليه .
وقد رآها النبي صلى الله عليه وسلم في المنام قبل زواجه بها ، ففي الحديث عنها رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( رأيتُك في المنام ثلاث ليال ، جاء بك الملك في سرقة من حرير ، فيقول : هذه امرأتك فأكشف عن وجهك فإذا أنت فيه ، فأقول : إن يك هذا من عند الله يُمضه ) متفق عليه .
ولم يتزوج صلى الله عليه وسلم من النساء بكراً غيرها ، وكانت تفخر بذلك ، فعنها قالت : ( يا رسول الله أرأيت لو نزلتَ وادياً وفيه شجرةً قد أُكِل منها ووجدتَ شجراً لم يؤكل منها ، في أيها كنت ترتع بعيرك؟ قال : في التي لم يرتع منها ، تعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكراً غيرها ) رواه البخاري .
وهي زوجته صلى الله عليه وسلم في الدنيا و الآخرة كما ثبت في الصحيح .
محبة الرسول لها ومداعبته لها :
كان لها رضي الله عنها منزلة خاصة في قلب رسول الله ، وكان يُظهر ذلك الحب ، ولا يخفيه ، حتى إن عمرو بن العاص ، وهو ممن أسلم سنة ثمان من الهجرة ، سأل النبي صلى الله عليه وسلم ، ( أي الناس أحب إليك يا رسول الله ؟ قال : عائشة قال : فمن : الرجال ؟ قال : أبوها) متفق عليه.
وفي صحيح مسلم ، عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : (كنت أشرب وأنا حائض ، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم ، فيضع فاه على موضع فيَّ ، فيشرب ، وأتعرق العرق وأنا حائض ، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيَّ ، ... فيشرب) .
وكان يداعبها ، فعنها قالت : ( والله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم على باب حجرتي ، والحبشة يلعبون بالحراب ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه لأنظر إلى لعبهم من بين أذنه وعاتقه ، ثم يقوم من أجلي حتى أكون أنا التي أنصرف ) رواه الإمام أحمد ، وصححه الأرنؤوط.
وعنها رضي الله عنها ( أنها كانت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر ، وهي جارية ، فقال لأصحابه: تقدموا ، فتقدموا ، ثم قال لها : تعالي أسابقك ) رواه الإمام أحمد وصححه الأرنؤوط.
علمها :
تلقت رضي الله عنها العلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذت عنه علماً كثيراً طيباً ، فكانت من المكثرين في رواية الحديث ، ولا يوجد في نساء أمة محمد صلى الله عليه وسلم امرأة أعلم منها بدين الإسلام .
روى الحاكم و الدارمي عن مسروق ، أنه قيل له : هل كانت عائشة تحسن الفرائض؟ قال إي والذي نفسي بيده، لقد رأيت مشيخة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يسألونها عن الفرائض .
وقال الزُّهري : لو جُمعَ علمُ عائشة إلى علم جميع النساء ، لكان عِلم عائشة أفضل .
وعن أبي موسى قال : ما أشكل علينا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حديثٌ قط فسألنا عائشة ، إلا وجدنا عندها منه علماً .
فضلها :
أما فضائلها فكثيرة ، من ذلك ما جاء في الصحيح عن أبي موسى ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( كمُل من الرِّجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مَريم بنتُ عمران ، و آسية امرأةُ فرعون ، وفضلُ عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ) متفق عليه.
وعنها رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا عائشة هذا جبريل يقرأ عليك السلام ، قالت : قلت وعليه السلام ورحمة الله ) متفق عليه .
بركتها :
ومن بركتها رضي الله عنها أنها كانت السبب في نزول بعض آيات القرآن ، من ذلك آية التيمم ، فعنها رضي الله عنها أنها استعارت من أسماء قلادة ، فهلكت أي ضاعت ( فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناساً من أصحابه في طلبها ، فأدركتهم الصلاة فصلوا بغير وضوء ، فلما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم شكوا ذلك إليه ، فنزلت آية التيمم ، فقال أسيد بن حضير : جزاكِ الله خيراً ، فوالله ما نزل بك أمر قط إلا جعل الله لكِ منه مخرجاً ، وجعل للمسلمين فيه بركة ) متفق عليه .
محنتها :
ابتليت رضي الله عنها بحادث الإفك الذي اتهمت فيه بعرضها من قبل المنافقين ، وكان بلاءً عظيماً لها ولزوجها ، وأهلها ، حتى فرجه الله بإنزال براءتها من السماء قرآناً يتلى إلى يوم الدين ، قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ . لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ } (النور: 11-12).
وفاتها : تُوفيت رضي الله عنها سنة سبع وخمسين ، وصلى عليها أبو هريرة ، ودفنت بالبقيع ، وكان لها من العمر : ثلاث وستون سنة وأشهر .
قال القحطاني في نونيته :
أكرم بعائشة الرضى من حرة بكر مطهرة الإزار حصان
هي زوج خير الأنبياء وبكره وعروسه من جملة النسوان
هي عرسه هي أنسه هي إلفه هي حبه صدقاً بلا أدهان
أوليس والدهـا يصـافي بعلهـا وهمـا بروح الله مؤتلفـان
رضي الله عنها وعن جميع أمهات المؤمنين، والحمد لله رب العالمين .
حفصة بنت عمر
هي حفصة بنت أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وأمها زينب بنت مظعون . ولدت في مكة قبل البعثة بخمس سنوات .
تزوجها قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم خُنيس بن حُذافة السهمي ، فكانت عنده إلى أن أسلما ، وهاجرت معه إلى المدينة ، وكان رضي الله عنه ممن شهد بدراً .
فلما تُوفي زوجها تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة ثلاث من الهجرة ، ولها قريب من عشرين سنة ، وذلك بعد زواجه بعائشة رضي الله عنها .
وفي "صحيح البخاري" أنه حين تأيمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي ، قال عمر : لقيت عثمان بن عفان ، فعرضت عليه حفصة ، فقلت : إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر ، قال : سأنظر في أمري ، فلبثت ليالي ، فقال : قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا ، قال عمر : فلقيت أبا بكر ، فقلت : إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر ، فصمت أبو بكر ، فلم يرجع إلي شيئاً ، فكنت عليه أوجد - أشد حزناً- مني على عثمان ، فلبثت ليالي ، ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنكحتها إياه ، فلقيني أبو بكر ، فقال: لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة ، فلم أرجع إليك ، قلت : نعم ، قال : فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت إلا أني قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها ، فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولو تركها لقبلتها .
وورد أن النّبي صلى الله عليه وسلم طلّق حفصة تطليقةً ، ثم راجعها بأمر جبريل عليه السلام له بذلك ، وقال : ( إنها صوّامة ، قوّامة ، وهي زوجتك في الجنة ) رواه الحاكم ، و الطبراني ، وحسنه الألباني .
ومن مناقبها رضي الله عنها أنه جُمع عندها الصحف المكتوب فيها القرآن بعد أن كانت عند أبي بكر ثم عند عمر .
توفيت حفصة رضي الله عنها سنة إحدى وأربعين بالمدينة عام الجماعة .
ومما يستفاد من سيرة حفصة رضي الله عنها ، جواز عرض الرجل ابنته على الرجل الصالح لزواجها ، وهذا مما لا يعاب عليه الرجل ، بل مما يحمد عليه ، لأنه مطالب بتحري الزوج الصالح لمن كان تحت ولايته .
وهكذا عزيزي القارئ تجد في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع زوجاته أسوة وقدوة ، ودروساً وعبرة ، فصلى الله عليه وسلم ، ورضي الله عن أمهات المؤمنين ، وعن الصحابة أجمعين
زينب بنت خزيمة الهلالية رضي الله عنها
هي زينب بنت خزيمة بن الحارث بن عبد الله بن عمرو الهلالية ، كانت تدعى أم المساكين لرحمتها إياهم ، ورقتها بهم ، وكثرة إطعامها لهم ، وصدقتها عليهم ، ولما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم أَوْلَمَ عليها جزوراً ، فكثر عدد المساكين الذين حضروا ، وأكلوا .
وكان زواجه صلى الله عليه وسلم بها في رمضان من السنة الثالثة للهجرة بعد زواجه بحفصة رضي الله عنها ، وقبل زواجه بأختها لأمها ميمونة بنت الحارث ، وكان هدفه صلى الله عليه وسلم من الزواج منها مكافأتها على صلاحها ورأفتها بالمساكين ، إلى جانب مواساتها لما أصابها من فقدها لمن تعاقب عليها من الأزواج ، ومنهم شهيدان ، وكان صداقها أربعمائة درهم .
ولم تلبث في بيت النبوة طويلاً ، حيث توفيت رضي الله عنها في المدينة بعد شهرين أو ثلاثة من زواجه صلى الله عليه وسلم بها ، وهي أول أمهات المؤمنين وفاةً بالمدينة رضي الله عنها .
ولم تذكر المصادر التي ترجمت سيرتها في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا القليل من أخبارها، ولا سيما علاقاتها ببقية زوجاته ، ولعل مردّ ذلك قصر مدة إقامتها في بيت النبوة .
رضي الله عنها وعن جميع أمهات المؤمنين ، والحمد لله رب العالمين .
ميمونة بنت الحارث
..............................................
هي أم المؤمنين ، ميمونة بنت الحارث بن حَزْن الهلالية . أختها لبابة الكبري زوجة العباس و لبابة الصغرى زوجة الوليد بن المغيرة ، فهي خالة ابن عباس ، و خالد بن الوليد .
تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فراغه من عمرة القضاء سنة سبع في ذي القعدة ، فهي آخر امرأة تزوجها ، وفي الحديث عن ميمونة بنت الحارث ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال ) رواه مسلم . ودخل بها "بسرف"، وهو موضع من مكة قرب التنعيم. وكان عمرها رضي الله عنها عندئذٍ 26سنة، بينما عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم 59سنة، وقام بتزويجها زوج أختها العباس ، وهو عم الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد أصدقها عنه أربعمائة درهم .
وكان هدفه صلى الله عليه وسلم من هذا الزواج اتخاذ وسيلةٍ لزيادة التفاهم بينه وبين قريش ، إلى جانب مواساة ميمونة رضي الله عنها بسبب وفاة زوجها.
وكان اسمها بَرَّة ، فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ميمونة .
كانت رضي الله عنها من سادات النساء ، وروت عدداً من الأحاديث عن رسول الله صلى عليه وسلم.
وكان ابن عباس رضي الله عنها يبيت عندها أحياناً في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيكسب علماً ، وأدباً ، وخلقاً ، ويبثّه بين المسلمين، من ذلك قوله رضي الله عنهما: ( بت ليلة عند ميمونة بنت الحارث خالتي، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها في ليلتها، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل، فقمت عن يساره، فأخذ بذؤابتي ، فجعلني عن يمينه ) رواه البخاري .
كانت وفاتها رضي الله عنها سنة 51 للهجرة ، عن عمرٍ بلغ 80 سنة، وكان موتها ودفنها بسرف مكان زواجها، فرضي الله عنها وأرضاها، والحمد لله رب العالمين .